السبت، 12 أبريل 2014

[
COLOR="Red"]فكاهات الشعراء
للشعراء المرهفه نفوسهم القادرين على صياغه الحروف واخراجها في مخارج جميله تطرب لها الاسماع وتهفو لها القلوب وتستدرها فتحفظ ما جاد منها وما اثر والشعراء لهم كثير من الفكاهات التي قد تخرجهم في احيانا كثيره من مهالك وتنجيهم من موت قريب الى مكافاه وعطاء وفي الحيان كثيره تودي بهم تلك الاقوال الى نهايه غير مستساغه لحتوفهم فيكون في ما قالوا احكام اعدامهم[/COLOR]
على ان الله سبحانه وتعالى وصفهم بوصف فقال وقوله الحق اعوذ بالله من الشيطان الرجيم-
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ{221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ{222} يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ{223} وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ{226} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{227}الشعراء)

لقد كان أبو دلامة من أشهر الشخصيات الضاحكة التى تتجمع فيها صفات الشاعر مضحك البلاط.. وقد عاش فى آخر أيام بنى أمية، ونبغ فى أيام بنى العباس وانقطع إلى منادمة السفاح والمنصور والمهدى حيث مات فى خلافة المهدى سنة 261 هـ.
ومن نوادره المشهورة أنه تأخر عن الحضور بباب أبى جعفرالمنصور أياماً، فأمر بإلزامه القصر، وألزمه بالصلاة فى مسجده، ووكل من يلاحظه فى ذلك، وكان ذلك ثقيلاً على نفسه، فمر به أيوب الموريانى الذى كان وزير أبى جعفر.. فقام إليه أبو دلامة وأعطاه رسالة وقال: هذه ظلامة لأمير المؤمنين فأوصلها أعزك الله إليه بخاتمها.
فأخذها أبو أيوب، فلما دخل على أبى جعفر، أوصلها إليه، فقرأها فإذا فيها هذه الأبيات من الشعر:
ألم تعلموا أن الخليفة لزنى = بمسجده والقصر مالى للقصر
أصلى الأولى مع العصر دائماً = فويلى من الأولى وويلى من العصر
ووالله مالى نية فى صلاتهم =ولا البر والإحسان والخبر من أمرى
وما ضره والله يصلح أمره =لو أن ذنوب العالمين على ظهرى
فضحك المنصور وأمر بإحضاره، فلما حضر قال:المنصور- هذه قصتك ؟قال: ابو دلامه - دفعت إلى أبى أيوب رقعة مختومة أسأل فيها اعفائى من لزوم أمرنى بلزومه فقال له أبو جعفر:- اقرأها قال ابو دلامه : ما أحسن أن أقرأ(لقد كان أبو دلامة من الذكاء أن لا يقرأ ولا يعترف بكتابته لهذه الرقعة صراحة حتى لا يحده بذكر الصلاة وتعريضه لها) فلما رآه أبو جعفر يحيد عن ذلك قال له:- يا خبيث أما لو أقررت لضربتك الحدّ ثم قال: لقد أعفيتك من لزوم المسجد
فقال أبو دلامة:- أو كنت ضاربى يا أمير المؤمنين لو أقررت؟ قال: نعم قال أبو دلامة:- مع قول الله عز وجل (يقولون ما لا يفعلون) فضحك منه وأعجب من انتزاعه.. ووصله بأعطية

بعد هذا الوصف يمكننا ان نتحرك دون ان ندخل في المحظور فمن قال الشعر بعليه ان يعرف ان
الناس ينقدون شعره وليس لهم بشخصه اي علاقه ولهذا فان شعراء البلاط مجاميع من الشعراء الذين استطاعو القرب من الخلفاء والحكام والسلاطين فاصبحوا بذلك اكثر شهر لان اقوالهم تتردد مع سير الحكام والرؤساء – وقد دبجت اسفار كثيره عن طرائف الشعراء ونكاتهم ولا يمكن باي حال الاحاطه بها الا انه يحسن هنا ان نعرف بما اجتمع في بعض صفحاتنا مما نسخناه وراق لنا للاستشهاد بما في اقوال الشعارء من الفكاهه وبطرقهم في كثير من المواضيع التي قد لا يلتفت اليها الانسان العادي في حياته ولكنها مكونات الحكمه ومقومات الفكاهه وخلاصات الحياه التي اكتسبها الشعراء من المطالعات والقراءات وسير الماضي فرسموها مدحا وهجاء وفخرا ونسيبا وصاغوها باجمل العبارات لتصل الينا سهله نستفيد منه واحيانا كثيره نضحك منها ونطمع في غيرها – ان للخفاء مع الشعراء مواقف وللشعراء مع الخلفاء مواقف وشتان الفرق بين المعنيين
الفكاهة المنقذة
قال الأصمعي: خرج الحجاج متصيداً، فوقف على أعرابي يرعى إبلا وقد انقطع عن أصحابه، فقال: يا أعرابي، كيف سيرة أميركم الحجاج؟ فقال الأعرابي: غشوم ظلوم لا حياه الله ولا بياه. قال الحجاج: فلو شكوتموه إلى أمير المؤمنين؟ فقال الأعرابي: هو أظلم منه وأغشم، عليه لعنة الله! قال: فبينا هو كذلك إذ أحاطت به جنوده، فأومأ إلى الأعرابي فأخذ وحمل، فلما صار معهم قال: من هذا؟ قالوا: الأمير الحجاج، فعلم أنه قد أحيط به، فحرك دابته حتى صار بالقرب منه، فناداه: أيها الأمير، قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتوما، فضحك الحجاج وخلى سبيله. وكان الحجاج لا يضحك في جد ولا في هزل، على حد تعبير الحصري القيرواني في كتابه جمع الجواهر في الملح والنوادر.
من دعابات أبي دلامة ايضا
وهو من الشعراء الساخرين، وكان يوهم الخلفاء أن أحلامه رؤيا تتحقق فقد دخل يوما على أحد المهدي وقال له:

إني رأيتك في المنام وأنت تعطيني خيارة = مملوءة بدراهم وعليك تأويل العبارة

فقال له الخليفة أمض وأحضر لي خيارة أملأها لك دراهم فمضى أبو دلامة وجاء بقرعة كبيرة واقسم للخليفة بالطلاق أن السوق لم تكن فيها سوى القرع فضحك الخليفة وملأ القرعة دراهم
وطرفه خرى عنه-
خرج الخليفة المهدي ووزيره عليّ بن سليمان في رحلة صيد, فلما أجريت الخيل وأرسلت الكلاب رمى المهدي سهما فأصاب ظبيا, ورمى على بن سليمان سهما فأصاب بعض كلابه فقتله, فقال المهدي لابو دلامه قل شعرا في ذلك فقال أبو دلامة, مضحك الخليفة:
قد رمى المهدي ظبيا شك بالسهم فؤاده
وعلى بن سليمان رمى كلبا فصاده
فهنيئا لهما, كل امريء يأكل زاده
فضحك المهدي حتـى كـاد يسـقط عن سرجه-
وقال الخليفة المتوكل لمضحكه الشاعرأبي العنبس الصيمري (وكان قد أنشده قصيدة طريفة في رثاء حماره) مستفسراً عن سبب موته, وما كان من شعره في الرؤيا التي رآها. قال الصيمري متظاهرا بالحزن على موت حماره: نعم يا أمير المؤمنين, كان أعقل من القضاة, ولم يكن له جريرة ولا زلة, فاعتل علة على غفلة فمات منها, فرأيته فيما يرى النائم فقلت له, يا حماري ألم أبرد لك الماء, وأنقل لك الشعير, وأحسن إليك جهدي? فلم مت على غفلة? وما خبرك? قال: نعم, لما كان في اليوم الذي وقفت على فلان الصيدلاني تكلمه في كذا وكذا, مرت بي أتان حسناء, فرأيتها فأخذت بمجامع قلبي, فعشقتها واشتد وجدي بها, فمت كمدا متأسفا. فقلت له: يا حماري, فهل قلت في ذلك شعراً? قال: نعم, وأنشدني:
هام قلبي بأتانِ عند بابِ الصيدلاني
تيمتني يوم رُحنا بثناياها الحسان
ويخدين أسيليـ ن كلونِ الشنقراني
فبها متُّ ولو عشتـ تُ إذن طال هواني
قال: قلت يا حمار, فما الشنقراني? فقال: هذا غريب الحمـير (أي من غريب اللغة عندهم). فطرب المتوكل وأمر الملهين والمغنين أن يغنوا في ذلك اليوم بشعـر الحمـار, وفرح في ذلك اليوم فرحاً شديداً, وسـر سروراً لم ير مثله. (والشنقراني: كلمة لا معنى لها. والأتان أنثى الحمار).
وبمناسبة موت هـذا الحمار (شهيد الهوى) فما أكثر ما قيل في تراثنا من شعر في (رثاء الحمير), لأسباب مختلفة, شكلـت في مجموعها غرضا شعريا طريفا, مشبـعا بالمضامين الإنسانية, ومفعما بالدلالات الرمزية في آن.
وبما انني دخلت في رثاء الحمير فانني انقل قصيدين واحده منهن عن كتاب المستشرق سارجنت نقلها عن مجموعات الشيخ رحيم بافضل والثانيه مما حفظ بجهازي في اطار الموضوع والقصيدين لشاعرين من حضرموت فيهما الكثير من الفكاهه والادب والعلم لتعطي مدللولات على اريحيه جدودنا وكيف كانو يتناولون شئون حياتهم بكل بساطه وفكاهه وتناغم- يقول الشاعر الاول في رثاء حمار
الأولى للشاعر قالها يحاور حماره ( عيران ) ويجيب على لسانه –

ابوك عيران قد ينقا والأجمل يطيب = يعجبك لا طاب لكنه خِنز ما يطيب
وان طاب شفت المجاريد البعيده قريب = يمر يهشل على الجيلان تحسبه ذيب
بغا يجوّب ولكنه خرس ما يجيب = ولو تكلم لقال أرقب وقف يا حبيب
طلعت بك صبح واندرت الغريق الصعيب = وسرت بك جول بين الصفي لي هو رتيب
وفي المضابي شبيه الهندوان الصليب = وفي نمل حيث امل مولى الجمل على الغريب
وفي حسور المذينب والضروك الشنيب = وسرت موجه الى موجه بوداي مجيب
وصلت بك حول كم من شيخ كامل نجيب = وفي حويره على المرجع قطعت اللغيب
صبرت في القر والحر الشديد المذيب = وجيت سيماج والحسره وشرهي وهيب
الى خيله وجيت العرسمه يوم طيب = ولا تجازي ولو جازي ذره في زبيب
وأوصيك الى جيت في عرصه مهيل أوغريب = مهلا تنعم على نفسك وتنسى الركيب
تشح بالماء على عجماء ومحزم رتيب = واحذر توكِّل على الوغد ذي لك صحيب
يهملنا منك وهو في شغب بطنه شغيب = واحذر تخلي علي الشد فوق الضبيب
واحذر مبيت الونش لو كان مطعم رغيب = فإنه كما منزل الكتان بعد المغيب
فإن كانت هونت شفنا هون وأمسي لغيب = وجيت تضرب وقلت مكايد معيب
تشل مأثوم في رقبتك والله الرقيب
والقصيدة الثانية للشاعر الاخر وهي تعزية ورثاء في حمار اسمه ( صيفان ) استعاره الشاعر من شخص ومات في الطريق ونشبت بين المستعير وصاحب الحمار ولحقهم جماعات من اقارب كل منهم كل مجموعه مع شخص في قضيه حول التعويض عن الحمارالذي نفق وهذه القصة شغلت المجتمع الحضرمي حينها وعرفت ( باسم خاص بها ) وجاءت للتسلية والتندر وجاءت قصيدة الشاعر الاول لتضيف روحا من الدعابه والمرح لهذه القضية وما رافقها وربما كان هناك من الشعراء من سطر فيها وعلة وزنها قصائد اخرى لم يقف عليها احد حتى الان ...!!


الحمدلله لي مامن قضاه إعتذار = ولا من أمره ولا حكمه لخلقه فرار
رضا بحكمه علينا حالي أو كان قار = لله يعوّضك ياسيد عمر في الحمار
واعظم لك الأجر في صيفان نسل الخيار = واخلفه بالخلف الصالح على أهلٍ وجار
عسى فدا ياحبيب من جميع المضار = فيه ألف صالح فسلّم الأمر كن ذااصطبار
بنصف شعبان جا تحقيق موته جهار = وشاع في البلده الغرّا بنصف النهار
من بعد ماقد تملاَّ بالمشاهد وزار = شعب النبي هود والغنَّا بلاد الكبار
لمَّا وصل تاربه رفّق ولا عاد سار = وكان موته بها وأختار فيها القرار
فرحوا به أهل البلد وألقوا مكانه مزار = يانسل يعفور تبكيك الطرق والقفار
والدّار والجار والشرج البرك والآبار = والدّرع لي فيه ساكن والخدم والجوار
واهل القصب والذي هم يسبّرون السَّبار = ياليت ياليت من طُرقك اثناعشر حمار
بعيد وصفه وصيته شاع في الأرض سار = عند آل طه رُبِي يانعم ذيك الدّيار
على قناعه وجوده قاصِيه واصطبار = يسني بغربه غزا دايم جميع النهار
وان حد ركب فوق ظهره فرْ مثل العصار = يشل للردف وأمّا الحمل يحمل بهار
مشهور مصيوط ما خفه إذا سارسار = قامته عدله وآذانه حطيطه قصار
والرّاس مَدرِج زَهِي غادي شبيه الصمار = وأعيان وسعا شعرهن مثل صفّة حضار
عريض رقبه قوايم به حطيطه قصار = ذا بعض وصفه وأمّا الخِيم ماله جُوار
يابوحسن سلّم امرك للإله اصطبار = وارضا بحكم القضا تغنم وتكفى المضار
وفيه لأهلك عِوض قدّامك إلاّ حمار = إذا احتسبته وسلمته أتتك المسار
وساعدتك المساعي في الضِّيَع والضمار = واما عمر ولد طه خاب ماعاد حار
قصّر وهوّن ولا خاف اللوايم وعار = لو شي شريعه ودوله هو ضمن مااستعار
لكن وقع خُو فلا حاجه لفتح الشجار = واحذِرَك عادك كذا تِسعِف له إحذر حِذار
تكفيك ذي منه مرّه وافتقه من مِرار = ذا سالف الوقت ماحد يُرْع حق المعار


نتوقف هنا قبل ان يبلغ السيل الزبى لان للحمير مراثي كثيره في تاريخ الشعراء -
سعيد كرامه بن عبيد بن عبد
alenati
السبت 6/10/2013م الموافق 30 ذو القعده 1434هـ

العزيز ابو فيصل المدير العام اشكر لك المرور والتعليق المفيد بقصه لم اسمعها من قبل برغم جلوسي سنوات طوال بين شعراء وادباء يقرضون الشعر ويتناقلون اخبار الادب( في محل المرحوم محمد ملا حسين التركيت الذي كان يعتبر ديوانا عاما يجتمع اليه يوميا اصحاب المعرفه والاطلاع والادب والشعر) وبرغم اطلاعي البسيط على بعض من الكتب فلم اقف يوما على هذه القصه– لقد كانت مجالس الشعراء والادباء المثقفين مرتعا خصبا لكل من لديه قصه او روايه سمعها او قراءها لكي يقولها فيزيد من حصيله الاخرين بها وبهذا تتضاعف ثقافات المثقفين ويزيد فهمهم وتكثر معارفهم وانقل لمن يرغب في المعرفه( قصة من التراث )
مكانها بغداد حاضرة الخلافة العباسية وزمانها زمن خلافة المهدي بن أبى جعفر المنصور
(كان قصر الخلافه متعودا ان يجتمع فيه الشاعرين والثلاثه والاربعه كل منهم يمدح فيحصل على العطايا والمنح واتفق ان اجتمع الشاعرين بشار ابن برد ( الاعمى) وابو العتاهيه في حضور الخليفه المهدي وسمع الشاعر بشار صوت ابو العتاهيه وقال لمن يجلس بقربه اثم ابو العتاهيه هنا فقال له الجليس نعم فانتابه نوع من الانقباظ ووجم وتغير حاله وهذا نوع من انواع الغيره برغم ان بشار يظن نفسه من طبقه الشعراء الارفع مكانه ومقام وربما قال بشار ليتني لم اجتمع مع شعراء اقل مني شانا وقدرا في مجلس واحد- و طلب المهدي من الشاعر ابو العتاهيه ان ينشده الشعر ووقف أبو العتاهية تلقاء الخليفة وأخذ نفساً عميقاً , ثم شرع يُنشد :
أَلا ما لِسَيِّدَتي ما لَها = تُدلُّ فَأَحمِلَ إِدلالَها
وَإِلا فَفيمَ تَجَنَّت ؟ - وَما = جَنيتُ - سَقى اللَهُ أَطلالَها
هز بشار كتفيه في لا مبالاة هامسا لجليسه : ما هذا الهُراء
واكمل ابو العتاهيه
أَلا إِنَّ جارِيَةً لِلإِما ... مِ قَد أُسكِنَ الحُبُّ سِربالَها
مَشَت بَينَ حورٍ قِصارِ الخُطا = تُجاذِبُ في المَشيِ أَكفالَها
فقال بشار لجليسه :همسا ويحك يا أخا سليم ! ما أدري من أي أمريه أعجب:
أمن ضعف شعره ، أم من تشبيبه بجارية الخليفة ؟!
واكمل ابو العتاهيه
وَقَد أَتعَبَ اللَهُ نَفسي بِها = وَأَتعَبَ بِاللَومِ عُذّالَها
فعاد بشار يهمس بخبث : وأتعبنا والله ..
واستمر ابو العتاهيه قائلا
كَأَنَّ بِعَينَيَّ في حَيثُما= سَلَكتُ مِنَ الأَرضِ تِمثالَها
عند هذا القول بدأت ملامح بشار تلين وبدأ الاهتمام يظهر عليه فأرهف السمع ومال برأسه منصتاً
فتابع ابو العتاهيه القول

أَتَتهُ الخِلافَةُ مُنقادَةً = إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذيالَها
فَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلا لَهُ = وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلا لَها

سادت همهمة استحسان كبيرة في الجمع , وافتر ثغر الخليفة عن ابتسامة وقور , ثم أمر أبا العتاهية أن يعيد البيتين الاخيرين ...
أَتَتهُ الخِلافَةُ مُنقادَةً = إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذيالَها
فَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلا لَهُ = وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلا لَها
اعتدل بشار في مقعده وهو يستمع وقد بدا وكأن الشعر قد بدأ يروقه
استمر ابو العتاهيه قائلا
وَلَو رامَها أَحَدٌ غَيرُهُ = لَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها
فبان الطرب علي وجه الخليفة فاعتدل في متكأه وأمر أبا العتاهية أن يعيد
ارتمت ابتسامة فخور علي وجه أبي العتاهية ثم أعاد أبياته :
أَتَتهُ الخِلافَةُ مُنقادَةً =إِلَيهِ تُجَرِّرُ أَذيالَها
فَلَم تَكُ تَصلُحُ إِلا لَهُ = وَلَم يَكُ يَصلُحُ إِلا لَها
وَلَو رامَها أَحَدٌ غَيرُهُ = لَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها
أما بشار فقد طرب وبلغ طربه منتهاه , فقال لجليسه : وهو يهمس
- ويحك يا أخا سليم ! أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طرباً لما يأتي به هذا الكوفيّ ؟!
نظر الجليس إلي الخليفة فوجده مشرق الوجه باسم الثغر قد بدت عليه مخايل الطرب
فقال لأستاذه : هو ما قلتَ يا أبا معاذ .
ودوَّى صوت أبي العتاهية ليختم القصيدة :
وَلَو لَم تُطِعهُ بَناتُ القُلوبِ = لَما قَبِلَ اللَهُ أَعمالَها
وَإِنَّ الخَليفَةَ مِن بُغْضِ " لا " = إِلَيهِ لَيُبغِضُ مَن قالَها
انتهي أبو العتاهية من شعره ووقف ينتظر أمر الخليفة
ساد الصمت لحظة وقد اتسعت العيون دهشةً وإعجاباً , ثم انطلقت هُتافات الاستحسان من بين الحشد , بما فيهم أبو معاذ بشار بن برد الذي شرع يستنشد جليسه أبيات أبي العتاهية الأخيرة ليطرب بها على رغم شعوبيه بشار وكرهه للعرب الا ان الشعر الجيد لا يمكن ان يصد شخص عنه- أما الخليفة فقد تابع الحوار مبتسماً ثم قال : لقد فاز أبو العتاهية اليوم و فلقد مدح وشبب واقتصد وأجاد .يا غلام .. احمل إلي أبي العتاهية جائزته ومُر له بعشرة آلاف درهم .
وانفض المجلس والشعراء يحيطون بأبي العتاهية , ويثنون علي براعته
أما بشار فقد أمر جليسه وتلميذه أشجع أن يقود إلي حيث يقف أبو العتاهية
فلما وصل شدَّ علي يده مصافحاً وأثنى عليه برغم ما حملته نفسه عليه من بغض وغيره
_______________________________
أصل القصة فى كتاب الأغانى للأصفهانى / الجزء الرابع – وقد تصرفنا في بعض خطوطها-
من هو ابو العتاهيه
هو :إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق، من قبيلة عنزة, ولد في عين التمر سنة 130 هـ/ 747 م، ثم أنتقل إلى الكوفة، كان بائعا للجرار، مال إلى العلم والأدب ونظم الشعر حتى نبغ فيه، ثم انتقل إلى بغداد، وأتصل بالخلفاء، فمدح المهدي والعادي والرشيد.
أغر مكثر، سريع الخاطر، في شعره إبداع، يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار بن برد وأبو نواس وأمثالهما. كان يجيد القول في الزهد والمديح وأكثر أنواع الشعر في عصره.
وأبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون (اضطراب في العقل) ولكنه كف عن حياة اللهو والمجون، ومال إلى التنسك والزهد
ديوان ابو العتاهيه لمن يرغب في تحميله ولا بد له من برنامج( Adobe Reader)


http://www.al-hakawati.net/arabic/ci...anindex4a1.pdf

ومن جميل اشعار ابو العتاهيه

عريت من الشباب وكان غضا = كما يعرى من الورق القضيبُ
ونُحت على الشباب بدمع عيني = فما يجدي البكاء ولا النحيب
فيا أسفاً أسفت على شباب = نعاه الشيب والرأس الخضيب
(والخضيب المصبوغ بالحناء)
ألا ليت الشباب يعود يوماً = فأخبره بما فعل المشيب
وقوله ايضا
ربَّ أمرٍ يسوءُ ثُمَّ يسرُّ = وكذاكَ الأُمورُ: حُلوٌ ومُرُّ
وكَذاكَ الأمورُ تَعبُرُ بالنّا سِ فخطبٌ يمضِي وخطبٌ يكرُّ
مَا أغرًّ الدّنيا لذِي اللهوِ فِيهَا = عَجَباً للدّنْيا، وكَيفَ تَغُرّ
ولمَكْرِ الدّنْيا خَطاطيفُ لَهْوٍ، = وخَطاطيفُها إلَيهَا تَجُرّ
ولَقَلّ امرُؤٌ يُفارِقُ ما يَعْتادُ إلاَّ وقلبُهُ مقشَعِرُّ
وإذا مَا رضيتَ كلَّ قضاءِاللهِ لمْ تخشَ أنْ يصيبَكَ ضَرُّ
من هو بشار ابن برد
هو بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن حسيس بن مهران بن خسروان بن أخشين بن شهرداد بن نبوذ بن ماخرشيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكرر بن أدريوس بن يستاسب.وكان يرجوخ من طخارستان ،سباه المهلب بن أبي صفرة ،وجاء به إلى البصرة وجعله من قِن امرأته خيرة القشيرية فولد عندها ابنه برداً .فلما كبر برد ،زوجته خيرة ، ووهبته لامرأة من بني عقيل ،من قيس عيلان، كانت متصلة بها ،فولدت له امرأته بشاراً .فأعتقته العقيلية لأنه وُلد ضريراً .فانتسب إلى بني عقيل بالولاء ,ولُقب بالمرعث وكنّى بأبي معاذ نشأ بشار في بني عقيل نشأة عربية خالصة ، فاستوى لسانه على الكلام الفصيح . لاتشوبه لكنة . ولما أيفع أبدى فسلم من الخطأ . قال بشار الشعر في سن مبكرة . فما كاد يبلغ السنوات العشر حتى تفجرت موهبة الشعر عنده . ونزعت نفسه إلى الهجاء .لأنه كان يكره الناس بسبب عماه .ولم يتوان عن التعرض لكبار الشعراء كجرير بن عطية الخطفي أحد أقطاب المثلث الأموي . فاستصغره جرير ولم يجاره في هجائه . وكان القوم يخافون لسانه فيشكونه إلى برد أبيه فيضربه ضرباً شديداً فكانت أمه تقول : " كم تضرب هذا الصبيّ الضرير ،أما ترحمه ؟‍‍ ‍."،فيقول : "ويلي والله إني لأرحمه ولكنه يتعرض للناس فيشكونهُ إليّ " فسمعه بشّار فطمع فيه فقال له :" يا أبتِ إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر ، وإني إن ألممت عليه ،أغنيتك وسائر أهلي ،فإن شكوني إليك ، فقل لهم : أليس الله يقول ( ليس على الأعمى حرج ) فلما عاودوا شكواه ، قال لهم برد ما قاله بشار فانصرفوا وهم يقولون : "فقه برد أغيظ لنا من شعر بشار " . ولعل سخط بشار على الناس كان مردّه إلى عماه فهو لم يُبصر الدنيا قط .وعلى الرغم من ذلك فقد كان ضخماً .مفرط الطول ، عظيم الوجه .أعمى . أكمه . جاحظ العينين يغشاهما لحم أحمر فكان قبيح العمى مجدور الوجه وقد ضُرب المثلُ بقباحة عينه فقالوا : " كعين بشار بن برد " وفي ذلك قال مخلد بن علي السلامي يهجو رجلاً :

رأيتك لا تحبُّ الود إلا= إذا ما كان من عصب وجلد

أراني الله وجهك جاحظياً = وعينك عين بشار بن برد
وكان الجاحظ دميما حتى ان امراه طلبت منه ذات يوم ان يلحق بها لانها ترغب في معروف منه فتبعها حتى وصل الى دكان صائغ للفضه فاشارت للصائغ وقالت كهذا الوجه وانصرفت فسال الصائغ عن القصه فقال له ان هذه المراه ارادت مني رسم صوره شيطان على خاتم لها فقلت له لا اعرف كيف شكل الشيطان وما هي الا ان جائت بك الي-

ديوان بشار ابن برد لمن يرغب في تحميله


http://www.al-hakawati.net/arabic/ci...nindex4a36.pdf
ومن جميل شعر بشار
إذا كـنت فـي كـل الأمور معاتبًا = صـديقك لـم تلقى الذي لا تعاتبه
فـعش واحـدا أو صل أخاك فإنه = مـقـارف ذنـبٍ مـرة ومـجانبه
أذا أنت لم تشرب مراراً على القذى = ظـمئت وأي الناس تصفو مشاربه
أذا الـملك الـجبار صـعر خـده = مـشينا إليه بـالسيوف نـعاتبه
وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى = وبـالشوك، واخـطي حمر ثعالبه
غـدونا له والشمس في خدر أمها= تـطالعنا والـطل لـم يـجر ذائبه
بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه = وتـدرك مـن نـجى الفرار مثالبه
كـأن مـثار الـنقع فوق رؤوسنا = وأسـيافنا لـيل تـهاوى كـواكبه
بـعثنا لـهم مـوت الـفجأة إنـنا = بـنو الـملك خـفاق علينا سبائبه
فـراحوا فـريقاً في الأسار ومثله = قـتيلٌ ومـثل لاذ بـالبحر هاربه
وأرعـن يغشى الشمس لون حديده = وتـخلس أبـصار الـكماة كتائبه
تـغص به الأرض الفضاء إذا غدا = تـزاحم أركـان الـجبال مـناكبه
ومنه قوله في الهجاء المائل للحكمه
ظل اليسار على العباس ممدودُ = وقلبـه أبـدا بالبـخل معقـودُ
إن الكـريم ليخفي عنك عسرته = حتى تـراه غنيا ، وهو مجهودُ
وللبـخيـل على أمـواله عللٌ = زرق العيـون عليها أوجه سودُ
إذا تكرهت أن تعطى القليل ولم = تقدر على سعةٍ لم يظهر الجودُ
ورق بخيـرٍ تُرجى للنوال فما = ترجى الثمارُ إذا لم يورق العودُ
بث النـوال ولـم تمنـعك قلتهٌ = فكل ما سد فقـرا فهو محمـودُ
سعيد كرامه بن عبيد بن عبد
alenati
الاثنين 7/10/2013م الموافق 2 ذو الحجه 1434هـ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق